لا يحتاج المحلل والمراقب لأن يتعب نفسه وقلمه ، وهو يتابع كلمات الحكام العرب والبيان الختامي للقمة ، للوصول إلى استنتاج محدد بعنوانين ، وهو أن القمة العربية والإسلامية شكلت كما سابقتها في تشرين ثاني ( نوفمبر) 2023 غطاءً مباشر اً للعدوان الصهيو أميركي على قطاع غزة ولحرب الإبادة الجماعية ، وأن أنظمة أمة المليار في معظمها تندرج بين خانتين : خانة التواطؤ والمشاركة في عدوان الإبادة الجماعية على قطاع غزة ، أو خانة الخذلان للشعب الفلسطيني في محنته غير المسبوقة في التاريخ.
ولا يغير من واقع هذا الاستنتاج، ذلك الحديث البائس في بيان القمة، عن الحل المطلوب لإنها ء الصراع والحرب، ممثلاَ بقيام دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية ، فمثل هذا الحديث عن حل الدولة والدولتين على بؤسه ومضامينه التفريطية هو نوع من الهروب للأمام والضحك على الذقون.
أسئلة كاشفة
وقبل أن نسترسل في متابعة "القمة – النقمة" ومخرجاتها ، لابد من طرح الأسئلة التالية التي تكشف بؤس بعض هذه الأنظمة، وخيانة البعض الآخر لغزة وعموم فلسطين على نحو :
1-لماذا لم تصدر بيانات عن معظم هذه الدول ،على امتداد أكثر من عام ، بعد قمة تشرين 2023 تدين – مجرد إدانة – لفظية للإبادة الجماعية التي ارتكبت وترتكب في قطاع غزة والتي راح ضحيتها حتى الآن ما يزيد عن 43 ألف شهيد وعن مائة ألف جريح؟
2- لماذا اختارت هذا التوقيت لعقد القمة ؟ وهل اعتقد القائمون على القمة أن اغتيال رئيس المكتب السياسي السابق لحركة حماس إسماعيل هنية وقائد حركة المقاومة الفلسطينية التاريخي يحي السنوار ، وأمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله ، خلق واقعاً جديداً عنوانه انتهاء ظاهرة المقاومة، أو أنها شارفت على الانتهاء؟ وأن المطلوب هو البناء على الواقع المتخيل المعشعش في رؤوس هؤلاء الحكام ؟
3- كيف للدولة المستضيفة للقمة ، أن تتحدث عن حرب الإبادة الجماعية وهي التي ارتكبت ذات الفعل في اليمن الشقيق ، وكيف لها أن تتحدث عن دعم حقوق الشعب الفلسطيني وهي في ذات الوقت، تطلق أبواقها الإعلامية من صحف وفضائيات ضد هذا الشعب وحقوقه وتتماهى في تحريضها على الشعب الفلسطيني ومقاومته الأسطورية مع القناة (12) الإسرائيلية ،وتزج في غياهب السجون كل من ينطق بكلمة فلسطين ،أو يخاطر بوضع الكوفية الفلسطينية على عنقه.
4- وكيف لمعظم هذه الأنظمة أن تتغابى على شعوبها ،عندما تطالب بإقامة دولة فلسطينية بعد أن عملت على دفن مشروع الدولة من خلال اتفاقات التطبيع الإبراهيمية ، ومن خلال تجاوزها "مبادرة السلام العربية التفريطية قي قمة بيروت عام 2002، التي نصت على مبادلة الأرض مقابل السلام ، تلك المبادرة التي أريد من قبل من صممها، الولوج في عملية التطبيع من الباب العريض تحت عنوان كاذب : أن إقامة التطبيع يطمئن العدو ويدفعه لاحقاً للقبول بقيام دولة فلسطينية في الضفة والقطاع.
المتتبع لبيان القمة العربية الإسلامية الأخير ، ولكلمات الحكام – باستثناء كلمة الرئيس الأسد- لا يختلف في مضمونه عن مضامين بيان القمة العربية الإسلامية الذي عقد في الرياض في (11) أكتوبر (تشرين ثاني) 2023 ، ولا عن بيان القمة العربية في البحرين ، التي عقدت في السادس عشر من شهر مايو (أيار) الماضي، سوى في الصياغات التي تطالب برفع الحصار عن قطاع غزة وإيصال المواد التموينية والطبية ، ومناشدة المجتمع الدولي لاتخاذ الإجراءات اللازمة لوقف العدوان .
بنود عالية النبرة فارغة المضمون
وبالإضافة إلى ما تقدم من صياغات انطوى البيان على صياغات جديدة عالية النبرة فارغة المضمون، على نحو :
1- "التنديد بالجرائم المروّعة والصادمة” يرتكبها الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة “في سياق جريمة الإبادة الجماعية” بحق الفلسطينيين، مشيرين إلى “المقابر الجماعية وجريمة التعذيب والإعدام الميداني والإخفاء القسري والنهب والتطهير العرقي” وخصوصا في شمال القطاع.
2- التنديد بالعدوان الإسرائيلي الغاشم على لبنان وقطاع غزة”، داعيا إلى “إنجاز وقف فوري ودائم لإطلاق النار في قطاع غزة وإطلاق سراح الرهائن والأسرى”، وكذلك إلى “وقف فوري لإطلاق النار” في لبنان.
2- دعم “الجهود الكبيرة” التي بذلتها مصر وقطر والولايات المتحدة من أجل “إنجاز وقف فوري ودائم لإطلاق النار في قطاع غزة وإطلاق سراح الرهائن والأسرى”، وحمّلت إسرائيل مسؤولية فشل هذه الجهود.
3- الدعوة إلى توحيد الأراضي الفلسطينية بما يشمل قطاع غزة والضفة الغربية والقدس، مشددة على “سيادة دولة فلسطين الكاملة على القدس الشرقية المحتلة”.
4-أكدت دعم “الجهود الكبيرة” التي بذلتها مصر وقطر والولايات المتحدة من أجل “إنجاز وقف فوري ودائم لإطلاق النار في قطاع غزة وإطلاق سراح الرهائن والأسرى”، وحمّلت إسرائيل مسؤولية فشل هذه الجهود
5-دان البيان الختامي للقمة “العدوان الإسرائيلي المتمادي والمتواصل على لبنان وانتهاك سيادته وحرمة أراضيه”، ودعا الى وقف فوري لإطلاق النار والتنفيذ الكامل لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701” الصادر في العام 2006 والذي وضع حدّا لحرب بين (إسرائيل) وحزب الله آنذاك.
قراءة أولية للبيان الختامي للقمة
أدنى قراءة أولية للبيان تؤشر إلى ما يلي :
1- أن بيان القمة غلب عليه عبارات ومفردات من نوع : مطالبة / دعوة/ الترحيب بقرار/ حث المحكمة / الإدانة الشديدة/ التأكيد على ألخ بما يذكرنا ببيان القمة العربية الإسلامية في الرياض في تشرين 2023 بما انطوى عليه صياغات انشائية.
1- أن البيان استخدم الأسلوب الوصفي لجرائم الإبادة الصهيونية في قطاع غزة ، لكنه لم يطرح مشروع عملي لمواجهة حرب الإبادة ، ما يجعل هذه الدول شريكة بشكل غير مباشر في العدوان على قطاع غزة ، رغم أن العديد منها كان في موقفه مؤيداً للعدوان واجتثاث المقاومة ، وفق ما ورد في كتاب (The War ) للصحفي الاستقصائي الأمريكي " بوب وود ورد" .
وهي بهذه الإدانة اللفظية العنيفة لجرائم الإبادة الجماعية ، تسعى لامتصاص غضبة الشعب العربي ، الذي بات على قناعة بأن بعض هذه الدول تابعة ومرتهنة للإمبريالية الأمريكية وأن البعض الآخر يحاول استرضاء سادة النظام العربي الرسمي الجدد، والإدارة الأمريكية مع بعض الاستثناءات .
2- أن البيان كما في البيانات السابقة، لم يجرؤ على ذكر آلاف الأسرى الفلسطينيين القابعين في سجون الاحتلال ، واكتفى بعبارة (إطلاق سراح الرهائن والأسرى) متماهياً مع العبارة المكررة الصادرة عن بيانات مجلس الأمن " اطلاق سراح الرهائن والمختطفين " في حين أن النص المطلوب هو " مبادلة الأسرى الإسرائيليين لدى المقاومة الفلسطينية بالأسرى الفلسطينيين والعرب في السجون الصهيونية".
3- أن البيان تجاهل بالمطلق المقاومة الإعجازية في قطاع غزة، على مدى أكثر من عام في مواجهة العدوان الصهيوأميركي الأطلسي ، رغم الخلل الهائل في موازين القوى ، وتجاهل مجدداً نصر السابع من أكتوبر التاريخي ، ناهيك أنه تجاهل الانتصارات التكتيكية ذات النكهة الاستراتيجية لحزب الله ، سواء في الحرب البرية أو في دك عمق الكيان الصهيوني بالصواريخ.
4- البيان لم يثمن دور دولة جنوب إفريقيا ، التي تبنت رفع دعوى مشفوعة بآلاف الوثائق لمحكمة العدل الدولية ،التي تؤكد ارتكاب كيان الاحتلال جرائم الإبادة الجماعية ،في الوقت الذي تقاعست فيه كل الأنظمة العربية والإسلامية عن القيام بهذه المهمة.
5- البيان يطالب الآخرين في المجتمع الدولي والأمم المتحدة على معاقبة (إسرائيل) و والعمل على منع تسليحها ، والعمل على وقف إطلاق النار ، وحث المحكمة الجنائية لاتخاذ قرارات باعتقال مسؤولين صهاينة بتهمة ارتكاب جرائم حرب الإبادة.
لكن البعض من الموقعين على البيان ، رفضوا مجدداً استخدام أوراق الضغط المتاحة لديهم على نحو : إلغاء المعاهدات والاتفاقات الموقعة مع الكيان الصهيوني ، وطرد السفراء الصهاينة من الدول التي تربطها علاقات تعاقدية مع الكيان ، وإنهاء التطبيع مع الكيان الصهيوني.
6- ويلفت الانتباه البند التالي :" التأكيد على ضرورة حماية الملاحة في الممرات البحرية اتساقا مع قواعد القانون الدولي" وهذا البند موجه بشكل مباشر لحكومة صنعاء في سياق انتقادي ودعم ضمني للكيان الصهيوني.
فالبيان بدلاً من أن يثمن دور حكومة صنعاء بقيادة حركة أنصار الله ، في ضرب الاقتصاد الصهيوني ،من خلال استهداف السفن التجارية والعسكرية المتوجهة للموانئ الصهيونية دعما لقطاع غزة ولبنان في مواجهة العدوان الصهيوني ، واشتراطها وقف عملياته العسكرية ضد هذه السفن وضد الكيان الصهيوني بوقف العدوان على قطاع غزة ولبنان / راح يوجه الانتقادات لهذا الدور .
وأخيراً لا بد من التوقف أمام البندين (4) و(31) الواردين في البيان ، فالبند (4)
نص على "دعم الجهود الكبيرة والمقدرة التي بذلتها كل من جمهورية مصر العربية ودولة قطر بالتعاون مع الولايات المتحدة الأميركية لإنجاز وقف فوري ودائم لإطلاق النار في قطاع غزة وإطلاق سراح الرهائن والأسرى، وتحميل (إسرائيل) مسؤولية فشل هذه الجهود نتيجة تراجع الحكومة الإسرائيلية عن الاتفاقات التي كان توصل إليها المفاوضون .
بخصوص البند (4) ، الذي يتضمن الإشادة والتقدير لدور الوسطاء نشير إلى ما يلي :
1- أن الوسيطين المصري والقطري يعملان برئاسة وإشراف الإدارة الأمريكية وليس مجرد التعاون معها.
2- أن الإدارة الأمريكية ليست وسيطاً ، بل شريك أساسي فب الحرب على قطاع غزة وفي أهداف العدوان وعلى رأسها القضاء على حماس وفصائل المقاومة .
3- أن الوسيطين – وخاصةً المصري- يعملان دور المسهل والميسر(Facilater) لمدير المخابرات الأمريكية ( وليام بيرنز) ،في انتزاع تنازلات من المفاوض الفلسطيني ، لصالح المشاريع الأمريكية لصفقة تبادل الأسرى ، التي معظمها – حسب الرئيس الأمريكي جو بايدن- مشاريع إسرائيلية – لكن صمود المفاوض الفلسطيني حال دون انتزاع تنازلات تمس الشروط الفلسطينية لصفقة التبادل .
لكن تقتضي المصارحة القول : أن الوسيط المصري نجح في مايو ( أيار) الماضي في انتزاع تنازل من المفاوض الفلسطيني ، ممثلاً باستبدال شرط وصيغة مبادلة " كل الأسرى الإسرائيليين لدى المقاومة، بكل الأسرى الفلسطينيين في المعتقلات الصهيونية "بصيغة قبول المقاومة بصفقة تبادل عادلة ، أي إلغاء صيغة ( الكل مقابل الكل) تحت مبرر استحالة أن يقبل الجانب الصهيوني بهذه الصيغة.
أما البند (31) الذي "يشيد بدور الحكومة المصرية، في جمع ممثلين عن حركتي فتح وحماس وطرحها عليهم مشروع "لجنة الاسناد المجتمعي لإدارة وإعادة إعمار قطاع غزة" من التكنوقراط في اليوم التالي لوقف الحرب" ...يتجاهل حقيقة أن هذا المشروع طرحته الإدارة الأمريكية على الجانب المصري ليتبناه ، وليفرضه على ممثلي حركة حماس والمقاومة عموماً وأن الهدف منه إخراج المقاومة من معادلة إدارة القطاع في اليوم التالي للحرب ، من خلال اشتراط : أن تتشكل اللجنة بمرسوم صادر عن رئيس دولة فلسطين ، وأن تكون تابعة لحكومة رام الله.